12 - 07 - 2024

مؤشرات | مواردنا لخدمة الديون .. فكفى إستدانة

مؤشرات | مواردنا لخدمة الديون .. فكفى إستدانة

وفقا لأرقام وزارة المالية ترتفع مخصصات الديون (أقساط وفوائد) في موازنة (2025/2024) العامة إلى 1.8 تريليون جنيه مقابل 1.12 تريليون في العام المالي 2024/2023.

وهذا يمثل عبئًا كبيرًا على إقتصاد الدولة، نظرًا لثقل ما تخلفه الديون وعمليات الإقتراض والاستدانة التي لا تتوقف من أعباء، وسترتفع أكثر في السنوات المقبلة، بغض النظر عن توجه الدولة لتمويلات أخرى عن طريق بيع الأصول والأراضي، وإتفاقيات الشراكة مع أطراف خارجية أو حتى محلية، بينما تلجأ الحكومة إلى طرح الأذون لتستطيع الاقتراض مرة أخرى متجاهلة أن زيادة الدَّين الخارجي تعيق الاستثمار الخارجي المباشر وتزيد الضغط على الاقتصاد.  

ويبقى السؤال من وجهة نظر أصحاب الاختصاص، ما هو الحل والمطلوب ، مع ما أعلنه البنك المركزي قبل فترة قصيرة عن طرح أذون خزانة بقيمة 100 مليار جنيه، تستخدمها الحكومة كأداة قصيرة الأجل من أجل سداد مدفوعات ديونها السابقة وتمويل عجز الميزانية.

وترد على هذا السؤال وغيره دراسة لموجز "عدسة" لمركز "حلول للسياسات البديلة"، بالجامعة الأمريكية، بأن هذا الوضع يتطلب من الحكومة وضع خطة شاملة تجمع بين إعادة هيكلة الديون واتباع سياسات تدعم النمو الشامل على رأسها عدم اللجوء إلى الاستدانة كحل سريع للمشاكل المالية.

ومن وجهة نظر الحكومة أن هناك إمكانيات بأن تشجع زيادة التدفقات النقدية عن طريق طرح أدوات الدَّين التي تحفز المستثمرَ الأجنبيَّ على ضخ أمواله في الاقتصاد، إلا أن هذه التدفقات سياسة قصيرة النظر.

ولا يختلف الخبراء بشأن أن الاستثمار الأجنبي في أدوات الدَّين الحكومية يجذب الأموال الساخنة  الـ"هوت موني"، وهي تدفقات نقدية متحركة وغير مستقرة تستثمر في الأذون من أجل عائدها المادي المرتفع وتخرج بشكل مفاجئ من البلاد متسببة في هزات اقتصادية.

ولا ننسى هناك ما حدث بالبلاد في أعقاب الحرب الروسية والأوكرانية، عندما أعلن الدكتور مصطفى مدبولي رئيس الوزراء بأن الأموال الساخنة التي خرجت من مصر تصل إلى 20 مليار دولار.

والمؤكد أن التدفقات النقدية للاستثمار في أدوات الدَّين تختلف عن الاستثمار الأجنبي المباشر طويل الأجل المرجو جذبه من أجل انتعاش الاقتصاد، كما أن ارتفاع حجم الدَّين الخارجي من أهم معوقات الاستثمار الأجنبي المباشر، وظل هذا الإستثمار محدودا لسنوات.

وتشير الأرقام إلى أن نسبة خدمة الدين إلى الصادرات ارتفعت من 32.1% في 2022 إلى 42.6% في 2023، مما يزيد من تآكل النقد الأجنبي الصافي، ويؤدي ذلك إلى الضغط على الاقتصاد لخدمة الدَّين على حساب توفير المخصصات المالية لبنود الإنفاق على التعليم والصحة والدعم السلعي التي شهدت تراجعًا كبيرًا، وهو ما يعني أن البلاد تعمل وتنتج لخدمة الدين بشكل رئيسي.

الدراسة أعادت وأشارت إلى أن من بين تعقيدات أزمة الديون إنفاق الحكومة على مشاريع ومرافق لا تولد تنمية مستدامة، بينما يكمن المردود الأمثل للاستدانة في تنفيذ مشروعات صناعية ومرافق خدمية تحسن من النمو الاقتصادي وجودة حياة المواطنين لزيادة إنتاجيتهم وهذا ما لا تفعله الحكومة.  

وتمثل نسبة إجمالي الديون الداخلية والخارجية 96% من الناتج المحلي الإجمالي للعام المالي 2024-2025، ويزيد من أزمة مصر وصول نسبة خدمة الدَّين من جملة الإيرادات الحكومية إلى 70% في نفس العام المالي، ما يضطر الدولة للاقتراض لتلبية التزماتها المالية.

والأمل في أن تتخذ الحكومة خطوات لتخفيف عبء الديون، ومن المهم هنا نشير إلى تصريحات وزير المالية الجديد أحمد كوجك "إننا ملتزمون خلال العام المالي الحالي بوضع معدلات الدين والعجز في مسار نزولي مستدام، أخذًا فى الاعتبار وضع سقف للدين لا يتجاوز 88.2% فى السنة المالية الحالية وأن بناء الإنسان المصري يتصدر أولويات الإنفاق العام خاصة في مجالات الصحة والتعليم، بما يسهم في تحقيق التنمية البشرية، باعتبارها ركيزة أساسية للتقدم والنماء والنهوض بمختلف القطاعات التنموية الأخرى، والعمل من أجل احتواء الصدمات الخارجية والداخلية والحد من تأثيراتها وتداعياتها على الاقتصاد المصري والمواطنين".

وهذا كلام مهم، إلا أن تحقيقه على أرض الواقع هو الأهم، لأن هناك من يرى أن الحكومة تركز اهتمامها وسياساتها ومواردها على خدمة الدَّين إرضاءً للدائنين والتزامًا بشروطهم على حساب الحماية الاجتماعية.

ونلفت إنتباه الوزير إلى ما تعهدت وإلتزمت به الحكومة بالحد من تكاليف الديون من خلال خفض الفائدة على أدوات الدَّين قصيرة الأجل الجاذبة للأموال الساخنة، حيث يمكن توفير 80 مليار جنيه من كل 1% انخفاضًا في أسعار الفائدة على أذون الخزانة.

وأتفق مع ما تتنهي إليه الدراسة بضرورة تغيير سياسات الحكومة تجاه المنظمات الدائنة والتفاوض على تخفيف العبء نتيجة خدمة الدَّين وإعادة هيكلتها بدلًا من ابتلاعها كل الإيرادات، فهناك إمكانية مع إعادة الهيكلة التوسع في برامج المبادلة من أجل  تحويل الديون إلى استثمارات محلية في مشاريع مستدامة تساعد الدولة على تحسين مؤشراتها الاقتصادية من أجل جذب الاستثمار الأجنبي المباشر بدلًا من الأموال الساخنة.

ومن المهم العمل على سياسات وخطط واضحة حتى لا يترسخ القول بأن مصر تحولت وبسبب ذلك إلى "دولة ديون" مأزومة ذات اقتصاد "هش" يتأثر سريعًا بالتقلبات الخارجية، خصوصا ما يمكن تفسيره بحالة مستمرة في إهدار الموارد على مدفوعات فوائد الديون لغياب خطة شاملة للخروج من الاستدانة.
----------------------------------
بقلم: محمود الحضري


مقالات اخرى للكاتب

مؤشرات | مواردنا لخدمة الديون .. فكفى إستدانة